اعتراف بريطانيا بمغربية الصحراء يضع الجزائر في محك حقيقي

 

الاعتراف البريطاني بمغربية الصحراء: تحدٍ دبلوماسي غير مسبوق للجزائر

يُعدُّ أي اعتراف رسمي من المملكة المتحدة بمغربية الصحراء تحوّلًا نوعيًا في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء الغربية، لا سيما وأنه يأتي من إحدى القوى الدائمة العضوية في مجلس الأمن وصاحبة تأثير معتبر في السياسة الدولية. هذا التطور، إن تأكد، لا يمكن قراءته بمعزل عن التحوّلات المتسارعة التي يشهدها الملف، ويضع الجزائر – باعتبارها الطرف الرئيسي الداعم لجبهة البوليساريو – أمام اختبار دبلوماسي وسياسي معقّد.


أولًا: تعميق العزلة الجيوسياسية للجزائر

الاعتراف البريطاني يُضاف إلى سلسلة مواقف داعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، سبق أن تبنتها قوى كبرى على غرار الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا وهولندا. هذا التراكم في المواقف يعزز من موقع المغرب كفاعل إقليمي يحظى بشرعية متزايدة، ويُضعف الخطاب الجزائري الذي ظل يراهن على "حق تقرير المصير" كمرجعية أساسية في تعاطيه مع القضية.

ثانيًا: تآكل شرعية الخطاب الجزائري أمام الداخل والخارج

في ظل تزايُد عدد الدول الداعمة لمغربية الصحراء، قد تجد الجزائر نفسها أمام تساؤلات داخلية حول كلفة الاستمرار في دعم خيار يبدو أنه يفقد زخمه الدولي. كما أن هذا الاعتراف يشكل ضربة إضافية لشرعية الطرح الذي تروّجه الجزائر في المحافل الإقليمية والدولية، مما قد يُجبرها على مراجعة خطابها التقليدي بما يتماشى مع التوازنات الجديدة.


ثالثًا: تراجع أدوات التأثير في الفضاء الأوروبي

لطالما راهنت الجزائر على مواقف الاتحاد الأوروبي المتوازنة، إلا أن اصطفاف قوى وازنة مثل بريطانيا إلى جانب المغرب من شأنه أن يُحدث تحولًا في المزاج السياسي الأوروبي تجاه الملف، ويدفع بقضايا الحكم الذاتي والسيادة الإقليمية إلى صدارة المقاربات الأوروبية، على حساب الطرح الانفصالي.

رابعًا: خيارات الجزائر المستقبلية

الجزائر أمام مفترق طرق استراتيجي. فإما أن:
تُعيد تموضعها دبلوماسيًا وتقبل بخيار التسوية السياسية الواقعية على أساس مبادرة الحكم الذاتي.
أو تُواصل التصعيد والدعم المفتوح للبوليساريو، مع ما يستتبع ذلك من عزلة دولية وتآكل تدريجي في التأثير.
وفي كلتا الحالتين، ستكون تكلفة القرار السياسي باهظة، سواء على مستوى العلاقات الإقليمية أو على صعيد توازنات الداخل.

ردة فعل الجزائر عن هذا الموقف التاريخي ؟

1. بيان رسمي يتّسم بالتحفّظ والرفض
من المتوقع أن تُصدر وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بيانًا رسميًا يُدين خطوة بريطانيا ويعتبرها انحيازًا غير مقبول يتعارض مع "الشرعية الدولية"، و"قرارات الأمم المتحدة" المتعلقة بحق تقرير المصير في الصحراء الغربية.
الرسائل المتوقعة في البيان:

التأكيد على أن "القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار".
وصف الموقف البريطاني بأنه "يُقوّض جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة".
دعوة بريطانيا إلى "الحياد وعدم التدخل في المسار الأممي".



2. تصعيد دبلوماسي محدود
قد تلجأ الجزائر إلى:
استدعاء سفيرها في لندن للتشاور (كما فعلت سابقًا مع مدريد وباريس).
تقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي مؤقتًا.
استخدام المنابر الدولية للتشكيك في مصداقية الموقف البريطاني وربطه بـ"مصالح اقتصادية" مع المغرب.

3. تعبئة إعلامية داخلية وخارجية
من المتوقع تصعيد إعلامي عبر:
وسائل الإعلام الرسمية والمقرّبة من السلطة لتصوير الخطوة البريطانية كمؤامرة على حق الشعب الصحراوي.
الترويج لخطاب "الثبات على المبادئ" و"عدم الخضوع للضغوط الدولية".
محاولة التأثير على الرأي العام العربي والأفريقي عبر الإعلام الخارجي المموّل أو المتحالف مع الجزائر.



4. تنشيط التحالفات التقليدية
تعزيز التنسيق مع روسيا، جنوب إفريقيا، إيران، وفنزويلا، وهي دول تؤيد طرح "تقرير المصير".
الدفع نحو تحركات داخل الاتحاد الإفريقي بهدف إصدار بيانات مناوئة للموقف البريطاني.
محاولة إعادة إحياء الملف داخل مجلس الأمن، عبر الترويج لفكرة "عدم الانحياز للمواقف الأحادية".

5. تشجيع البوليساريو على التصعيد
ردة الفعل قد تشمل أيضًا:
تشجيع البوليساريو على إصدار بيانات قوية ضد بريطانيا.
دعم تحركات عسكرية محدودة في المنطقة العازلة بهدف لفت الأنظار وإبراز "استمرار النزاع".

تعليقات